هل تصنع السلطة الخشنة قوة ناعمة لمصر؟
Share

القاهرة- في ندوة بمعرض القاهرة الحالي للكتاب حملت عنوان “كيف تدير مصر قوتها الناعمة؟”، جلس بضعة أفراد يستمعون في تململ لمقولات مكررة يلفظها متحدثون أكثر عددا من المستمعين.
حينها كانت قوات الشرطة تقتاد رئيس اتحاد الناشرين الأسبق محمد عبد اللطيف إلى مقر النيابة، لتجديد حبسه 15 يوما بتهمة الانضمام إلى جماعة محظورة.
يرى مبدعون وكتاب أن يد النظام الخشنة التي تطارد المبدعين وتخنق الناشرين، لن تبني قوة ناعمة للدولة، ويدلل على ذلك ناشر رفض ذكر اسمه بـ”انصراف زوار المعرض عن الندوات العديدة التي دارت موضوعاتها حول المحور الرئيس للمعرض هذا العام وهو: القوة الناعمة.. كيف؟”.
تراجع
في ندوة “كيف تدير مصر قوتها الناعمة؟”، أكد الكاتب عبد المنعم سعيد أن قوة مصر الناعمة حاليا “في أدنى مستوياتها التأثيرية منذ هزيمة 1967″، مشيرا إلى أن البعث والتقدم هما أداتا استعادة القوة الناعمة.
وتعددت الندوات التي دارت حول المحور ذاته، وفي ندوة مئوية جمال عبد الناصر والإعلام الوطني وثقافة التنوير، قال الشاعر أحمد عبد المعطي حجازي إن تراجع قوة مصر الناعمة بدأ بعد عام 1952 من “عداء سافر للديمقراطية بإلغاءٍ للأحزاب وسيطرةٍ على الإعلام، وكان ذلك مقدمة لهزيمة 1967”.
في المقابل، قال رئيس هيئة الكتاب هيثم الحاج في افتتاح المعرض إن القوة الناعمة تعد واجهة الدولة، وتمد جسورا مع الثقافات الأخرى، وهي ما يعمل المعرض على استعادته.
وقال وزير الشباب خالد عبد العزيز في تدوينة له إن “أباطرة القوى الناعمة هم من الراحلين العظام كالمطربة أم كلثوم والكاتب محمد حسنين هيكل والروائي نجيب محفوظ والممثل عمر الشريف والعالم أحمد زويل”، وأضاف إليهم اللاعب محمد صلاح، رافضا أن يستجيب لطلب المعلقين على صفحته في فيسبوك بإضافة اللاعب محمد أبو تريكة الذي تصنفه السلطات المصرية إرهابيا وقد صادرت أمواله.
واعتبر الروائي رفقي بدوي أن “مصر لم تعد لها قوة ناعمة”، موضحا أن “القوة الناعمة لا تصنعها السلطة الخشنة”، فعندما منح السادات الموسيقار محمد عبد الوهاب رتبة اللواء، سخر الشاعر الراحل صلاح عبد الصبور من تلك المنحة.
ومن “المؤكد أنه كان سيصاب بالحسرة حينما يرى النظام الحالي يمنح رتبة لواء لضابط على المعاش لأنه اخترع علاجا للإيدز على طريقة الكفتة (أكلة شعبية)، اتضح أنها خدعة الكفتة الناعمة”.
وأرجع بدوي سبب تراجع قوة مصر الناعمة إلى أن “من يدعون نخبة ثقافية لا يرتبطون بشكل عضوي بالشارع أو القارئ بقدر ارتباطهم بالحاكم أو مصالحهم الآنية السريعة، ففقدوا مصداقيتهم لدى المتلقي”.
تعدد مراكز القوة
وأشار مدير دار صفصافة للنشر محمد البعلي إلى سعي بعض دول المنطقة لامتلاك أدوات القوة الناعمة للتأثير في الأحداث، بعدما كانت القاهرة مركز صناعة السينما العربية وفيها أهم المطربين العرب.
وقال إن قوة القاهرة الناعمة “تراجعت مع تدفق الأموال الخليجية” على حد تعبيره، سواء عبر دعم أنماط سينمائية أو غنائية محددة أو عبر تأسيس فضائيات “تعمل على سيادة هذه الأنماط”، وكذلك دعمت تضخيم دور مراكز النشر العربية خارج القاهرة.
وعلى جانب آخر، تحول مركز الإعلام العربي من القاهرة بأفول إذاعة صوت العرب إلى الخليج، مع صعود قنوات الجزيرة وغيرها، بحسب المتحدث.
وأوضح الناشر أنه “بالإضافة إلى الأموال الخليجية، فقد تراجع مستوى احترافية المؤسسات المصرية بالتهميش المتزايد للفنانين المخلصين للفن، والتركيز على الفنانين ذوي النزعة التجارية”.
وبحسب رأيه فإن “المستقبل يقدم آفاقا مختلفة”، إذ أصبح المتلقي يتطلع إلى وسائل التواصل الاجتماعي للبحث عن المعلومات والأخبار، وأصبح المدونون هم قادة الرأي الجدد.
وشدّد الكاتب والناقد الأدبي أحمد كريم بلال على أن معضلة تأثير القوى الناعمة تكمن في القدرة على مدّ الحراك الثقافي.
وهذا الأمر -في تقديره- يتعلق بمقدار المساحة المتاحة لحرية الطرح، وبمدى ارتفاع سقف الحريات التي تتيحُ فرصا متساوية للمفاضلة بين الأفكار وانتقاء ما يناسب المرء دون فرض تيار فكري بعينه، وتقديمه باعتباره الأصوب والأصدق، وإقصاء كل ما يناوئه من أفكار، وعدم السماح بتوفير مناخ ملائم للجدل القائم على الحوار والإقناع.
وضرب كريم مثلا للقوة الناعمة بالحراك الثقافي الذي قدمه الكاتب علاء الأسواني في كتاباته الأدبية طوال عهد الرئيس المخلوع حسني مبارك، وخلال ثورة يناير وما بعدها.
واعتبر أن لمثل هذه الكتابات بالفعل أصداء قوية ومؤثرة لم تنحصر في الأثر السياسي، بل امتدت للجوانب الاجتماعية محليا وعالميا، وكان يمكنها أن تصبح قوة ناعمة مضافة لو أُحسن استثمارها.