مصر: سر الاحتفاء الكبير بدخول حقل “ظهر” مرحلة الإنتاج
Share

القاهرة- عانت مصر، خلال السنوات الماضية، نقصاً في الطاقة وانقطاعاتٍ بالكهرباء تسبَّبت في إغراق المنازل وشركات ومنشآت الأعمال بالظلام. لكنَّ هذا الأمر قد يصبح الآن شيئاً من الماضي.
وقد بدأ حقل غاز “ظهر” العملاق، أكبر الحقول البحرية في البحر المتوسط، والذي تديره شركة إيني الإيطالية، الإنتاج في وقتٍ سابق من هذا الشهر (ديسمبر/كانون الأول 2017).
وتُثبت احتياطاته الضخمة أنَّها علاجٌ مستدام لسد احتياجات الطاقة في كبرى الدول العربية سكاناً، وجعل مصر أقرب إلى تحقيق هدفها بالوصول إلى الاكتفاء الذاتي من الطاقة، حسب تقرير لوكالة بلومبيرغ الأميركية.
- ما مدى ضخامة حقل “ظُهر” العملاق؟
كثيراً ما يُوصَف حقل “ظُهر”، الذي اكتُشِف في أغسطس/آب 2015، بأنَّه حقلٌ “عملاق”؛ لأنَّه يحتوي على احتياطاتٍ تُقدَّر بنحو 30 تريليون قدم مُكعبة، أي ما يعادل احتياطات كلٍ من سلطنة عُمان وإسرائيل مجتمعتين.
وفي 16 ديسمبر/كانون الأول، بدأ غاز حقل “ظُهر” بالتدفُّق إلى إحدى المنشآت في بورسعيد، بإنتاجٍ مبدئي بلغ 350 مليون قدم مكعبة يومياً. ويُتوقَّع أن يزيد الإنتاج اليومي إلى نحو مليار قدم مكعبة يومياً في يونيو/حزيران المقبل، ثُمَّ إلى 2.7 مليار قدم مكعبة بحلول نهاية عام 2019.
وتعهَّد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، بالحد من نقص الطاقة باعتباره أولوية له. وقد يُمكِّن المشروع في نهاية المطاف، مصر من العودة إلى تصدير الغاز.
- لماذا انتهى الحال بمصر وهي تعاني نقصاً في الغاز؟
في السابق، كانت مصر تمتلك إمداداتٍ كافية لتصدير الغاز عبر أنبوبٍ نقلٍ إلى الأردن وإسرائيل. لكنَّ نقص الغاز بدأ بعد ثورة يناير/كانون الثاني 2011 ضد الرئيس آنذاك حسني مبارك. وأدَّت الصراعات السياسية الناتجة عنها الى إثارة ذعر السائحين والمستثمرين وإبعادهم عن البلاد، الأمر الذي أدَّى إلى انخفاضٍ في احتياطيات النقد الأجنبي.
وأدَّت حوادث التخريب المُتقطِّعة التي قام بها مُسلَّحون متطرفون لخط النقل في صحراء سيناء، أيضاً إلى خنق الصادرات، ثم اضطُرَّت الدولة، الواقعة في شمال إفريقيا، إلى التخلِّي عن تصدير الغاز في 2014؛ لتلبية الطلب المحلي.
وزادت انقطاعات الكهرباء المتكررة، خصوصاً في أشهر الصيف، الغضب ضد الرئيس المنتمي إلى الإخوان المسلمين، محمد مرسي، الذي أطاح به الجيش في يوليو/تموز 2013.
- كيف سيساعد الحقل مصر؟
يكفي إنتاج حقل “ظهر” لسد الفجوة بين إجمالي استهلاك مصر من الغاز الذي بلغ 4.9 مليار قدم مكعبة يومياً في عام 2016، وإجمالي إنتاجها اليومي الذي بلغ 4 مليارات قدم مكعبة، وذلك وفقاً لبياناتٍ صادرة عن دراسةٍ إحصائية أجرتها شركة بريتيش بتروليوم البريطانية للنفط.
وتجاوز الاستهلاكُ المحلي الانتاجَ في عام 2015 بعدما كان العكس هو الذي يحدث على مدار عقد من الزمن. وتستورد مصر في الوقت الراهن الغاز الطبيعي المُسال بتكاليف باهظة؛ لتلبية احتياجاتها من الطاقة.
وقد استوردت هذا النوع من الوقود لأول مرة في عام 2013، واشترت ما يصل مجموعه إلى 89 شحنة غازٍ طبيعي مُسال من مورِّدين دوليين في السنة المالية (2016/2015) بتكلفة 2.2 مليار دولار، وفقاً لوزارة البترول والثروة المعدنية المصرية.
- ماذا سيحدث لشحنات الغاز الطبيعي المُسال؟
ستعلن الحكومة المصرية مناقصةً أخرى لشراء الغاز الطبيعي المسال أوائل العام المُقبل (2018)؛ لتغطية احتياجاتها في الربع الثاني.
وقال وزير البترول والثروة المعدنية المصرية، طارق الملا، في لقاءٍ صحفي جرى الشهر الماضي (نوفمبر/تشرين الثاني 2017)، إنَّ الحكومة تعتزم وقف استيراد الوقود بحلول نهاية العام المُقبل بفضل الغاز المُستخرَج من حقل “ظُهر”.
وأدى الإنتاج الأوَّلي من الحقل إلى رفع إنتاج مصر من الغاز إلى 5.5 مليار قدم مكعبة يومياً، وفقاً لبياناتٍ صادرة عن وزارة البترول والثروة المعدنية.
- ما تأثير ذلك على فاتورة الواردات؟
ذكرت وزارة البترول والثروة المعدنية في 13 ديسمبر/كانون الأول 2017، أنَّ الإنتاج الأولي من حقل “ظُهر” يُعادل 3 شحناتٍ مستوردة من الغاز الطبيعي المسال شهرياً بتكلفة 60 مليون دولار. وهو ما سيوفِّر للحكومة ضعف هذا المبلغ أو 180 مليون دولار شهرياً حين يتجاوز الإنتاج مليار قدم مكعب يومياً فيما بعد.
وقال هاني فرحات، الخبير الاقتصادي البارز في شركة سي آي كابيتال القابضة التي يقع مقرها بالقاهرة: “يُعَد حقل (ظُهر) عاملاً رئيسياً في تغيير أوضاع مستقبل الطاقة بمصر”، مضيفاً أنَّ هذا الحقل بالإضافة إلى مشروع حقول “غرب دلتا النيل”، التابع لشركة بريتيش بتروليوم، والذي بدأ في وقتٍ سابق من العام الجاري (2017)، سيسفران عن حلول الغاز الأرخص المُنتَج محلياً محل الغاز الطبيعي المُسال الأكثر تكلفة.
وأضاف: “يمكن لهذين الحقلين تحسين ميزان المدفوعات المصري وتقليص عجز الحساب الجاري بنحو 4 مليارات دولار، وتشجيع مزيدٍ من الاستثمارات الأجنبية في قطاع الطاقة بمصر”.
- هل يُمكن أن يُحفِّز ذلك استثماراتٍ أخرى في قطاع الطاقة؟
قال المُلا في لقاء صحفي، إنَّ تطوير حقل “ظهر” يُبيِّن أنَّ المشروعات الكبرى بإمكانها “بدء العمل في مدة زمنية قصيرة للغاية نسبياً”.
جدير بالذكر أن شركة بريتيش بتروليوم انضمت إلى شركة “إينِي” في الحقل، قبل أن تلحق بهما شركة روسنفت الروسية.
وذكر الملا في مؤتمرٍ نفطي عُقِد بالقاهرة يوم الإثنين، 18 ديسمبر/كانون الأول 2017، أنَّ مصر تعتزم البحث عن عطاءات لإجراء مزيدٍ من عمليات التنقيب عن النفط والغاز.
واتخذت الحكومة المصرية خطواتٍ أخرى لتشجيع الاستثمار في قطاع الطاقة. فبموجب قانونٍ جرى التوقيع عليه في شهر أغسطس/آب، سيُسمَح لشركاتٍ خاصة بنقل الغاز والتجارة فيه باستخدام شبكة الأنابيب الموجودة في البلاد وبنيتها التحتية، وهو الأمر الذي يُمثِّل ابتعاداً عن الاحتكار الحكومي في هذا الصدد. واعتمدت البلاد كذلك صيغةً مرنة لتسعير الغاز من أجل تشجيع الاستثمار وزيادة المعروض.
7.هل حقل “ظُهر” كافٍ لعكس مسار الاقتصاد المصري؟
بالطبع لا إذ لا يمكن للحكومة الاعتماد على إنتاج الغاز فقط، وعليها اتخاذ مزيدٍ من التدابير، بما في ذلك إقامة مشروعاتٍ للطاقة المتجددة وإلغاء دعم الوقود، وفقاً لما ذكره محمد أبو باشا الخبير الاقتصادي من القاهرة في المجموعة المالية “هيرميس”، وهو بنك استثمار.
وجدير بالذكر أن مصر أجرت إصلاحاتٍ شاملة على مدار السنة الماضية بدعمٍ من صندوق النقد الدولي، تضمَّنت تحرير سعر صرف (تعويم) الجنيه المصري، وخفض الدعم، والتصديق على قوانين لجذب العملات الأجنبية. وقفز احتياطي النقد الأجنبي إلى مستوى قياسي بلغ 36.723 مليار دولار في نوفمبر/تشرين الثاني من العام الجاري، بعدما وصلت قيمته إلى 13.42 مليار دولار في شهر مارس/آذار من عام 2013.
- ما الإجراءات الأخرى التي تتخذها مصر لتوفير مزيدٍ من الطاقة؟
عقدت وزارة الكهرباء المصرية، في وقتٍ سابق من هذا الشهر الجاري، أول مزادٍ علني تنافسي للطاقة الشمسية في إطار خطة البلاد لتوليد خُمس الكهرباء التي تستخدمها من مصادر نظيفة بحلول عام 2022. ولديها حاليّاً نظام تعريفة حسب التغذية، وتُنشئ محطاتٍ لتوليد أكثر من غيغاوات من الطاقة الشمسية، معظمها من قرية بنبان الواقعة جنوب شرقي البلاد.