بوتفليقة .. الرجل الذي تمسك بالسلطة حتى خلعه الشعب
Share

أعلن التلفزيون الجزائري الرسمي الليلة، وفاة الرئيس الجزائري السابق عبد العزيز بوتفليقة ، عن عمر يناهز 84 عاماً، في منزله، حيث يقيم في منطقة الأبيار في أعالي العاصمة الجزائرية، بعد أقل من سنتين على مغادرته السلطة في إبريل/نيسان 2019، إثر حراك شعبي أطاح به.
وتوفي بوتفليقة نتيجة معاناته من مرض عضال، جراء تداعيات وعكة صحية، ألمّت به منذ 13 إبريل/نيسان عام 2013، وجلطة دماغية أقعدته عن المشي وشلت إحدى يديه منذ ذلك التاريخ، كما كان يعاني من صعوبة كبيرة في النطق.
وتطوي وفاة الرئيس بوتفليقة، صفحة خامس رئيس جزائري يرحل عن الدنيا منذ استقلال البلاد عام 1962، والثالث الذي يتوفى خارج الحكم، بعد كل من هواري بومدين ومحمد بوضياف، اللذان رحلا وهما في سدة الحكم، بينما غادر أحمد بن بلة والشاذلي بن جديد الحياة وهما خارج السلطة.
تمسك بالسلطة حتى خلعه الشعب
بدأ نشاطه السياسي بعد استقلال الجزائر في العام 1962، وتسلّم مناصب وزاريّة عدّة ومسؤوليّات في حزب جبهة التحرير الوطني.
كان وزيراً للشباب والرياضة والسياحة في أوّل حكومة للرئيس أحمد بن بلة.
بين 1962 و1979، كان وزيراً للخارجيّة في عهدي بن بلة وبومدين.
أبعد عن السلطة بين 1981 و1987، وأقام في المنفى في دبي وجنيف.
أصبح رئيساً للجزائر في 1999 بينما كانت الحرب الأهليّة تُمزّق البلاد، بدعم من الجيش.
ثمّ أعيد انتحابه بأكثر من 80 في المئة من أصوات الناخبين في 2004 و2009 و2014، لذلك ظنّ نظامه أنّ الولاية الخامسة مضمونة.
لكنّ الجيش، العمود الفقري للنظام، تخلّى عنه تحت ضغط حركة احتجاجيّة غير مسبوقة عمّت البلاد ورفضت ترشّح بوتفليقة لولاية خامسة بسبب مرضه الذي كان أقعده وأبعده عن الحياة العامة.
وكان أصيب قبل ستّ سنوات بجلطة في الدماغ أقعدته على كرسي متحرّك، وبات شبه عاجز عن الكلام.
بعد ستّة أسابيع من التظاهرات الحاشدة، طلب رئيس أركان الجيش الفريق أحمد قايد صالح الذي كان يُعتبر من الأوفياء لبوتفليقة، منه الاستقالة.
في الثاني من نيسان/أبريل 2019، أعلن بوتفليقة استقالته.
اشتهرت عبارة بوتفليقة “أنا الجزائر بأكملها”، وكانت تدلّ على تحكّمه الكامل مع عائلته والمقرّبين منه بالبلاد.
أصغر وزير خارجية
كان في سنّ الـ26 عاماً أصغر وزير خارجيّة في العالم، ثمّ قائداً كثير الحركة في بلاده والعالم، وخطيباً مؤثّراً لا يظهر للعلن إلا ببزّة أنيقة، وانتهى عجوزاً صامتاً ومنعزلاً في قصره.
كانت الانتخابات مقرّرة في 18 نيسان/أبريل 2019، وقرّر بوتفليقة إرجاءها تحت ضغط الشارع، إلى أجل غير محدّد، في انتظار تنفيذ إصلاحات، الأمر الذي اعتبره الجزائريّون تمديداً لولايته الرابعة، فواصلوا التظاهر ضدّه.
واعتبرت التظاهرات الحاشدة التي طالبت برحيله و”إسقاط النظام” غير مسبوقة من حيث حجمها وسقف مطالبها خلال تاريخ الجزائر الحديث.
ولد بوتفليقة في الثاني من آذار/مارس 1937 في وجدة بالمغرب في أسرة تتحدّر من تلمسان في شمال غرب الجزائر. وانضمّ حين كان عمره 19 عاماً إلى جيش التحرير الوطني الذي كان يناضل ضدّ الاستعمار الفرنسي.
لدى استقلال الجزائر عام 1962، كان عمره لا يتجاوز 25 عاماً. وتولّى حينها منصب وزير الرياضة والسياحة قبل أن يتولّى وزارة الخارجيّة حتى 1979.
في العام 1965، أيّد انقلاب هواري بومدين الذي كان وزيراً للدفاع حين أطاح بالرئيس أحمد بن بلة.
وكرّس بوتفليقة نفسه ساعداً أيمن لبومدين الذي توفي عام 1978، لكنّ الجيش أبعده من سباق الخلافة، ثم أبعده تدريجياً من الساحة السياسية بعد اتهامه بالفساد.
بعد فترة من المنفى في دبي وجنيف، عاد الجيش وفرضه رئيساً سنة 1999 بعد انسحاب ستّة منافسين ندّدوا بتزوير الانتخابات.
وكانت الجزائر حينها في أوجّ الحرب الأهليّة التي اندلعت في 1992 بين قوّات الأمن والمجموعات الإسلاميّة المسلّحة. وخلّفت تلك الحرب، بحسب حصيلة رسميّة، نحو 200 ألف قتيل.
وعمل الرئيس الجديد حينها على إعادة السلم إلى بلاده، فأصدر في أيلول/سبتمبر 1999، أوّل قانون عفو عن المسلحين الإسلاميين مقابل تسليم أسلحتهم. وأعقب ذلك استسلام آلاف الإسلاميين.
في 2005، أُجري استفتاء جديد يعفو عن ممارسات قوات الأمن أثناء الحرب الأهلية.
عمل بوتفليقة الذي اتّهمه خصومه بأنّه دمية بيَد الجيش، على تفكيك نفوذ هذه المؤسّسة القوية في الحكم، ووعد بأنه لن يكون “ثلاثة أرباع رئيس”.
حلّ في بداية 2016 دائرة الاستعلام والأمن (الاستخبارات) الواسعة النفوذ بعد أن أقال رئيسها الفريق محمد مدين.
وفرض على البرلمان تعديل الدستور الذي كان يحدّ الولايات الرئاسية باثنتين، ليظفر بولاية ثالثة ثم رابعة وهو مريض غير قادر على الحركة والكلام.
لكنّ الولاية الرابعة تزامنت مع ظروف اقتصادية صعبة بسبب بداية انهيار أسعار النفط في بلد يعتمد اقتصاده بشكل شبه كامل على المحروقات.
وساهم ذلك في توسّع دائرة الاحتجاج الشعبي.
(أ ف ب)